بينما حقق المشروع الصهيوني حلمه بوطن في فلسطين، لم يتوقف التهجير الفلسطيني أبدًا.
إن يوم 15 مايو/أيار 1948 هو تاريخ مخزي لأجيال من الفلسطينيين الذين يعرفونه بالنكبة، بعد إعلان دولة إسرائيل في فلسطين.
يحيي الفلسطينيون في 15 ماي من كل سنة ذكرى النكبة منذ تحول اليشوف، المجتمع اليهودي قبل قيام الدولة في فلسطين، إلى إسرائيل بعد أن غادرت بريطانيا، الراعي الاستعماري السابق، في فلسطين، التي غزتها واحتلتها خلال الحرب العالمية الأولى.
بالنسبة للفلسطينيين، لا تمثل النكبة حدثًا تاريخيًا فحسب، بل تمثل عملية مستمرة بدأت في ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما بدأ المستوطنون الصهاينة الأوروبيون بالانتقال إلى فلسطين لوضع الأساس لدولتهم المستقبلية.
بينما حقق المشروع الصهيوني حلمه في إنشاء وطن في فلسطين عام 1948 بعد هزيمة خمسة جيوش عربية سيئة التجهيز وقليلة العدد، فإن التهجير الفلسطيني لم يتوقف أبدًا.
بين عامي 1947 و1949، تم طرد حوالي 750.000 فلسطيني من أصل 1.9 مليون نسمة من مدنهم وقراهم لإفساح المجال أمام المهاجرين اليهود الجدد. وفر معظم الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة، حيث استقروا كلاجئين.
أطفال يلعبون وسط خطوط تجفيف الغسيل في مخيم البقعة بالأردن عام 1969 |
لم يبق في إسرائيل سوى 150 ألف فلسطيني، التي تأسست على 78% من إجمالي مساحة فلسطين.
أما النسبة المتبقية البالغة 22 في المائة من الجزء الشرقي من فلسطين فقد ضمها الأردن فيما بعد وأعيدت تسميتها بالضفة الغربية، وأصبح سكانها مواطنين أردنيين.
في يونيو 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية إلى جانب قطاع غزة، الذي كان تحت السيطرة العسكرية المصرية.
بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يعيش نحو خمسة ملايين مواطن فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، و1.5 مليون في إسرائيل. ويعيش ستة ملايين آخرين في الشتات في البلدان المجاورة وفي جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، يرى العديد من الفلسطينيين أن النصر الصهيوني لم يكتمل.
النكبة : ليست من الماضي
يرى الباحث الفلسطيني جوزيف مسعد أن الفلسطينيين يمكنهم استعادة وطنهم من خلال مقاومة المحاولات الصهيونية لمحوهم من التاريخ وجعلهم يقبلون هزيمتهم.
كتب مسعد، أستاذ السياسة والتاريخ العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك، في مقاومة النكبة أن الفلسطينيين نجحوا في إحباط المشروع الصهيوني المتمثل في طردهم الكامل من خلال رفض الرواية الصهيونية القائلة بأن النكبة شيء من الماضي.
كتب مسعد :
في مقاومتهم للنكبة، ضرب الفلسطينيون قلب المشروع الصهيوني الذي يصر على اعتبار النكبة حدثًا ماضيًا. بمقاومة الفلسطينيين لإسرائيل، أجبروا العالم على رؤية النكبة كفعل حاضر.
هذا بالضبط ما يثير غضب إسرائيل والحركة الصهيونية. إن عجز إسرائيل عن إكمال مهمتها المتمثلة في استعمار فلسطين بشكل كامل، وطرد جميع الفلسطينيين، وجمع كل يهود العالم في مستعمرتها، يبقيها غير مستقرة ويبقي مشروعها دائمًا في الحاضر المستمر.
حجة مسعد الرئيسية هي أن الحزم الفلسطيني و"المقاومة" تطورت على مر العقود لتوظيف الفن والثقافة كمفتاح للحفاظ على الشعور الجماعي بالأمة حيًا والتراجع عن النكبة.
كتب مسعد :
المشكلة بالنسبة لإسرائيل ليست في الاعتقاد ومعرفة أنه لا يوجد مكان واحد في مستوطنتها الاستعمارية لم يكن فيه سكان عرب سابقون، ولكن في إدراكها أنه لا يوجد مكان اليوم في "دولتها اليهودية" الوهمية التي لا يوجد فيها سكان عرب سابقون.
وضعت الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو خططا لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة خلال الأشهر المقبلة، وفقا لاقتراح الحكومة الأمريكية المعروف باسم صفقة القرن.
من شأن الضم المخطط له أن يقضي فعليًا على اتفاقيات أوسلو لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي نصت على إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وغزة والقدس الشرقية في غضون خمس سنوات بعد توقيعها.
فلسطينيون يتجمعون خلال احتجاج بمناسبة الذكرى الـ 71 للنكبة، أو الكارثة، بالقرب من السياج بين إسرائيل وغزة |
قال عدنان أبو عودة، وهو فلسطيني ورئيس سابق للديوان الملكي الأردني في عهد الملك الراحل الحسين، إنه لا يزال يؤمن بإمكانية عكس النكبة، وأن الفلسطينيين سيعيدون تشكيل أنفسهم يومًا ما في فلسطين كأمة، على الرغم من الظروف الصعبة. الظروف السياسية الراهنة ضدهم.
وقال أبو عودة الذي ولد في مدينة نابلس الفلسطينية أثناء الاحتلال البريطاني لفلسطين، لقناة الجزيرة إنه لا يعتقد أن إسرائيل ستبقى في شكلها الحالي إلى الأبد، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن العرب لا يزالون ينظرون إليها على أنها جسم غريب وسط منطقتهم.
وأضاف أنه على الرغم من معاهدات السلام الرسمية بين مصر والأردن مع إسرائيل، وكذلك المكاسب الإسرائيلية في إقامة علاقات رسمية وغير رسمية مع العديد من الدول العربية، فإن الحقيقة تظل أن إسرائيل تتحالف مع الحكومات العربية فقط، وليس شعوبها. وقال:
لا يزال العرب يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم، حتى لو لم تفعل أنظمتهم ذلك.
أما بالنسبة للمستقبل الذي ينتظر الفلسطينيين الذين يواجهون عدواً أقوى بكثير وأنظمة عربية معادية في كثير من الأحيان، فإن رسالة مسعد هي إبقاء المقاومة حية.
أولئك الذين ينصحون الفلسطينيين بقبول النكبة يعرفون أن قبول النكبة يعني السماح لها بالاستمرار دون قيود. الفلسطينيون يعرفون أفضل. ويصر الفلسطينيون على أن الطريقة الوحيدة لإنهاء النكبة هي الاستمرار في مقاومتها.
كاتب المقال : علي يونس
المصدر : شبكة الجزيرة الإنجليزية.
تم ترجمة المقال بواسطة فريق مجلة المتجول.