ما سر دعم أيرلندا لفلسطين؟

إن الشعور المشترك بالنضال يعزز الروابط، وبعد الصراع الأخير، اتخذت دبلن خطوات دبلوماسية تاريخية ضد إسرائيل.

بعد انتقال أبراهام الجمال فيلان إلى دبلن في أواخر الثمانينيات، كان العديد من العملاء في محل البقالة الخاص به، حيث كانت الرفوف مزينة بالتين والزيتون الطازج، على اطلاع بآخر الأخبار من موطنه فلسطين.

خلال تبادلاتهم حول الطعام والثقافة والتاريخ، وجدت قصصه عن وطنه آذانًا متعاطفة.

وقال لقناة الجزيرة: “إنهم مرتبطون بما يحدث، وما نمر به، ويرتبطون به في أيرلندا بسبب تاريخهم”.

قد تقع دبلن على الخريطة على بعد 4000 كيلومتر (2485 ميلاً) من القدس، لكن في الخيال السياسي الأيرلندي، تبدو فلسطين أقرب بكثير، حيث يُنظر إلى كليهما على أنهما يشتركان في تاريخ من النضال ضد الاستعمار والقمع.

صوت البرلمان الأيرلندي بالإجماع على إدانة "ضم إسرائيل الفعلي" للأراضي الفلسطينية في الأراضي المحتلة ــ وهي أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تفعل ذلك.

وفي اليوم التالي، تم رفع العلم الأيرلندي فوق مبنى بلدية رام الله، وانتشر مقطع فيديو سريعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وشاركه العديد من أحباء جمال فيلان في القدس.

لقد جاء هذا المشهد بعد وقت قصير من أسوأ اندلاع للعنف بين إسرائيل وحماس منذ سنوات، والذي قُتل فيه ما لا يقل عن 254 فلسطينيًا في غزة و12 شخصًا في إسرائيل، وكان مشهدًا موضع ترحيب للكثيرين.

وقال: “أعتقد أن الفلسطينيين مسرورون، مسرورون للغاية لرؤية صديق مثل أيرلندا، شخص يقف إلى جانبهم”. "لأننا تركنا من قبل العالم كله. الجميع يتجاهلوننا."

ومن قرية بيت سوريك الواقعة على سفح التل، شمال القدس مباشرة، شهدت عائلته بنفسها كيف عززت إسرائيل سيطرتها على الأراضي المحتلة.

قُتل شقيقه الأكبر بالرصاص عندما كان عمره 17 عامًا على يد الجيش الإسرائيلي أثناء سيره مع عائلته خلال حرب عام 1967، وتم الاستيلاء على جزء كبير من أراضي العائلة منذ ذلك الحين للاستيطان وتحويل مصدر المياه.

واليوم، هناك جدار حدودي حكمت محكمة العدل الدولية بأنه غير قانوني، وهو يفصل عائلته عن بساتين الزيتون الخاصة بهم.

وأصيب أخ آخر برصاص المستوطنين الإسرائيليين، وواجه ابن أخيه، الذي يعاني من سرطان الدم، تأخيرات مرهقة عند نقاط التفتيش التابعة للجيش لزيارة مستشفى قريب لتلقي العلاج.

في سبتمبر 2018، عندما لعبت أيرلندا الشمالية وإسرائيل مباراة ودية لكرة القدم، تم عرض رسالة فلسطين حرة على تلة خارج الملعب في بلفاست

وقال جون بوين، المتحدث باسم الشؤون الخارجية لحزب الشين فين اليساري المعارض، الذي قدم الاقتراح الأخير، لقناة الجزيرة إن هذه الخطوة كانت نتيجة مباشرة لتصرفات إسرائيل وتعبيرا عن الروابط المشتركة بين المعاناة الأيرلندية والفلسطينية.

لكن حزبه يريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. ويدعم الشين فين حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، فضلا عن طرد السفير الإسرائيلي، وهو ما يعارضه حزب فيانا فايل الحاكم وحزب فاين جايل من يمين الوسط.

صرح حزب الشين فين اليساري : لقد فات وقت كلمات الإدانة. حان الوقت الآن لاتخاذ إجراأت حاسمة ضد منتهك القانون الذي يرأس نظام الفصل العنصري.

فهم عميق لما يعنيه أن تكون فلسطينيًا

استحوذ البرلمان الأيرلندي على الاهتمام الدولي في عام 2018 عندما أقر مشروع قانون الأراضي المحتلة، الذي كان من شأنه أن يحظر جميع السلع والخدمات التي تنشأ في المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من حصوله على دعم واسع النطاق بين الأحزاب السياسية وعامة الناس، إلا أنه تم إسقاطه خلال مفاوضات الائتلاف بين الحزبين المحافظين الحاكمين.

بالنسبة لأمير أبو الرب، فنان مسرحي وممثل وناشط مجتمعي، والذي جاء إلى أيرلندا من بلدة جنين بالضفة الغربية قبل 5 سنوات، فإن التماهي مع القضية الفلسطينية له جذور عميقة في المجتمع الأيرلندي.

وقال لقناة الجزيرة: “أرى الأعلام في كل مكان أذهب إليه في بلدي، وأنا فخور جدًا بالمشي في أيرلندا لأنني فلسطيني”.

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت الصورة مختلفة تمامًا.

وجد الجمهوريون الأيرلنديون قضية مشتركة مع الصهاينة، واعترفوا ببعضهم البعض كشعوب مضطهدة ومحرومة.

بعد عودته من روسيا في رحلة للتحقيق في مذبحة مميتة في كيشينيف، أعلن الزعيم الجمهوري الأيرلندي مايكل دافيت في عام 1906 أنه "مؤمن مقتنع بعلاج الصهيونية".

بعد عقود من الزمن، أثناء قتالها ضد الحكم البريطاني في فلسطين الانتدابية، قامت الجماعات الصهيونية شبه العسكرية والمسلحة مثل الإرغون وليهي بدراسة عن كثب تكتيكات حرب العصابات المستخدمة خلال حرب الاستقلال الأيرلندية.

وكان يتسحاق شامير، زعيم ليحي الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لوزراء إسرائيل، يُلقب بمايكل، على اسم زعيم الاستقلال الأيرلندي مايكل كولينز.

لكن التعاطف الأيرلندي جف عندما قبل الصهاينة الخطة البريطانية لعام 1937 لتقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية.

وفي عصبة الأمم، أدان رئيس الوزراء إيمون دي فاليرا هذا التقسيم ووصفه بأنه قاس وغير عادل، وهو تكرار مرير لتقسيم أيرلندا على يد البريطانيين قبل خمسة عشر عاما.

رأى الرأي السياسي الأيرلندي تطور موقفه تجاه الصهيونية من خلال منظور البريطانيين إلى حد كبير. وقال روري ميلر، أستاذ الحكومة بجامعة جورج تاون في قطر: “إذا كان الصهاينة والبريطانيون على نفس الجانب من التقسيم، فلن نتمكن من دعم الصهاينة”.

وبحلول حرب عام 1967، كان لا يزال هناك دعم كبير لإسرائيل في أيرلندا، لكن الوعي المتزايد بمصير اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب عمل الجمعيات الخيرية الأيرلندية، وجماعات الحقوق المدنية في فلسطين، بدأ في تحويل الرأي العام.

وقال ميلر: "إن النشاط المنظم والمعبأ نيابة عن الفلسطينيين أعلى بالتأكيد – نسبياً من حيث نصيب الفرد – في أيرلندا مما هو عليه في بريطانيا أو ألمانيا، أو العديد من دول الاتحاد الأوروبي".

وكان سلوك إسرائيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث خدم 30 ألف جندي أيرلندي كقوات حفظ سلام، سبباً في تفاقم المواقف.

كان مقتل عدد من الجنود الأيرلنديين على يد إسرائيل والقوات التابعة لها من بين الأسباب التي جعلت دبلن لم تفتح سفارة إسرائيلية حتى عام 1993.

رئيس الوزراء الأيرلندي بيرتي أهيرن مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مؤتمر صحفي في دبلن

كانت أيرلندا أول عضو في المجتمع الأوروبي يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1980، وتبعها آخرون بعد بضعة أشهر، وأصبحت من أشد المدافعين عن حل الدولتين، حيث استضافت واجتمعت مع ياسر عرفات في عدة مناسبات، وأحيانًا لعقد لقاءات معه. غضب الحكومة الإسرائيلية.

مثل العديد من الفلسطينيين، ينتقد جمال فيلان عرفات، لكنه يفهم قوته كرمز. كان هناك استقبال كبير له في دبلن. لقد عومل كمناضل من أجل الحرية.

على الرغم من أن أيرلندا لم تنفصل قط عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ولا تزال تدعم رسميًا حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو، إلا أن القادة من مختلف ألوان الطيف السياسي الأيرلندي انتقدوا بشدة سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتقويض عملية السلام.

وقد تزايدت انتقاداتهم مع ظهور حل الدولتين محكوم عليه بالفشل على نحو متزايد، ومع انشغال الاتحاد الأوروبي بقضايا السياسة الخارجية الأخرى.

وكانت النتيجة علاقة دبلوماسية متوترة في كثير من الأحيان مع إسرائيل.

ووصفت وزارة الخارجية اقتراح بأنه "أحادي الجانب"، وفي عام 2018 انتقدت مشروع قانون الأراضي المحتلة باعتباره "التشريع الأكثر تطرفًا المناهض لإسرائيل في أوروبا".

من غير المرجح أن تكون أيرلندا لاعباً مهماً على الساحة الدولية، لكن بوين من حزب الشين فين يعتقد أن الحكومة الأيرلندية يمكنها استخدام نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، حيث لها مقعد حالياً في مجلس الأمن، لإقناع الدول الأخرى بأن إسرائيل يجب أن تواجه عواقب انتهاك حقوق الفلسطينيين.

وأضاف: "لقد حان الوقت الآن للاتحاد الأوروبي". “لقد حان الوقت للدول الأخرى في جميع أنحاء العالم لاتخاذ هذا الموقف ضد نظام الفصل العنصري الذي ترتكبه إسرائيل.

"نأمل أن نكون قد حددنا مسارًا للدول الأخرى لتحذو حذونا."